كان في بادية الشام قاطع طريق يقال له ابن عمار، وقد اختلف في نسبه فمنهم من قال بانه من قبيلة مطير ومنهم من قال انه من قبيلة اخرى خلعته فعاش مجاورا لقبيلة مطير وجمعته الصداقة بافراد منها.
كان ابن عمار يترأس تشكيلا عصابيا من مجرمين وقطاع طرق فيغزو بهم القوافل المسافرة عبر الشام، وقد بلغ مبلغا عظيما حتى اصبح اسمه معروفا في كل بلاد الشام، وصار التجار والمسافرون يضيقون ذرعا من شعور الرعب والهلع الذي سببه ابن عمار لهم.
وصلت صيحات الشكاوى الى الوالي العثماني الذي بدوره بدأ ينظر الى موضوع ابن عمار بكل جدية، حتى قرر في النهاية ان يستأصل شأفته ومن معه ويريح الناس من شره.
وجه الوالي مفرزة عسكرية الى الجبل الذي كان يختبيء فيه ابن عمار واصحابه، وبعد حصار محكم ومناوشات شرسة تم قتل عدد كبير من عصابته ووقع هو في الاسر مع افراد ممن بقوا على قيد الحياة.
جيء به مكبلا الى قصر الوالي وسط الاحتفالات باعتقاله، وما ان راه الوالي حتى غير رايه في مسالة اعدامه، فقرر فجاة ان يلحقه بالجيش العثماني الذي كان يحارب الروس في منطقة القرم عام 1853م، وكان تعليل الوالي لذلك ان يستفاد من شجاعته في ميادين القتال، وفي نفس الوقت يتأدب ويعاقب بعد ان يخوض ويرى اهوال الحروب العظمى، او يقتل فيكون بذلك قد تم اعدامه بعد تحقيق بعض الفائدة منه.
تم الحاق ابن عمار في الجيش وشارك في الحروب ضد الروس وقد ابلى بلاء حسنا، ومن ناحية اخرى بدأت نظرته للحياة تختلف واصبح اكثر استقامة بعد ان ذاق حلاوة الجهاد في سبيل الله وقارن بينه وبين ما كان فيه من ضلال، ولمس الاختلاف بين من يحارب من اجل اعلاء كلمة الله ومن يحارب من اجل السلب والنهب، فاصبح يصلي ويصوم ويحفظ سورا من القران الكريم.
كان ابن عمار يخلو بنفسه في بعض الاحيان ويبكي اشتياقا الى موطنه، فقد طال امد الحرب، وكلما طال ازداد الشوق، وفي يوم من الايام انشد يقول:
يا راكبين اكوام وضحٍ مغاتير
ترمح رميح الريم وقت الغروبِ
دزّوا علي اخبار مع سابق الطير
ولّا رياحٍ مقبلة بالهبوبِ
اسال عن الغيّاب من رفقة مطير
ويش حالهم بعد القضا والنصيبِ
ظلّوا ورانا قاعدينٍ على الخير
او مثلنا ما بين ردٍ وجيبِ
قلبي توزّع بين شوقٍ وتفكير
وجهي شمال وخاطري للجنوبِ
ابكي مقفّي خوف يلمحنيَ الغير
يا رخص دمعي لا راه الغريبِ
لكنني وسط المعارك اذا تصير
سيفي قطوعٍ والطبنجة تصيبِ
اذبح من اللي ياكلون الخنازير
وارفع كتاب الله فوق الصليبِ