اجتماع الأمناء العامين محاولة جديدة للحاق بالشعب الفلسطيني
بقلم: د. هاني العقاد
سبق الشعب الفلسطيني القيادات السياسية باختلاف ألوانها ومسمياتها رسمية أو شعبية أو فصائلية ومضي مسافراً نحو الوطن, نحو التحرر وإقامة الدولة في الطريق سار على الأشواك بل تعثر في ألغام نصبها البعض فنجا بأعجوبة, أقام الجسور بأجساد أبناءه فوق الكثير من الحفر والعوائق واجتاز دون أن يؤذي أحد, عاني ما يكفي من الألم بسبب بَحث كثير من القيادات السياسية عن المناصب وجلوسها على الكراسي القيادية للأبد, نصبت هذه الكراسي على جسد هذا الشعب بما يكفي لكسر رقبته, لكنه استمر في النهوض بصمت ودون تأوه أو صراخ, دون شكوي أو تخلي عن الانتماء للوطن ومسيرة التحرر. صمته لا يعني الاستسلام ولا يعني أنه لا يدرك ما الذي يدور حوله وكيف يتم استغلاله وتوظيفه لأجندات ليست لها أي علاقة بالوطن ولا بمسيرة التحرر والاستقلال، جاع وعاش على الفتات وهو يري كيف يعيش أبناء المسؤولين وماذا يلبسون وأي نوع من السيارات يركبون وكيف يسافروا ويلفون الكوكب باسم الثورة والمقاومة.
هذا الشعب أيها السادة سبق القيادة ومضي في طريق طويل لكنه في النهاية يؤدي إلى وطن أو حتى بقايا وطن نهب من ثرواته المسؤولين ما نهبوا ليس لأنفسهم فقط وانما لأبنائهم وكل سلالتهم لمائة عام قادمة، سبق الشعب القادة وترك بينه وبينهم مسافات ومسافات تقدر بسنوات من المسير تحت الشمس حتى تدرك القيادة الشعب وتسير في مساره الكبير فهل تستطع فعل ذلك اليوم بعد هذا الفارق في الزمن والمسافات؟.
سبق الشعب الفصائل بسنوات، تخطي الانقسام وترك الساسة في أتونه يناكفوا بعضهم البعض، تصريحات عدائية موجهة وأخرى عشوائية جعلت الشعب يكفر بكل الفصائل ولا يؤمنوا بأحد ما مختلفين، سبق الشعب الفصائل وبقي من بقي يدور في فلك المنقسمين ليسوا أكثر من عرابين لفكر هذا او ذاك وأدوات تتحرك بإشارة ليس أكثر، سبق الشعب الفصائل وتوحدوا تحت راية وطن ينهشه العدو ويمزقه أبنائه من الساسة ويصروا الا يتركوا قطعة قماش الا ويمزقوها. سبق الشعب الفصائل فخاطوا ثيابهم التي مزقها الانقسام وستروا عوراتهم بصمت وبقي الساسة غير قادرين على خياطة ثيابهم التي مزقتها الخلافات وبدت عوراتهم أكثر شناعة فبانت العديد من التفاصيل التي كانت مستورة يوما من الأيام. سبق الشعب الفصائل فتقاسموا الرغيف والزيت والزعتر وحتى الملبس في كثير من الأحيان دون ان يصنفهم حزب أو فصيل، اسندوا جدار الوحدة بأجسادهم ولم يكترثوا للضرابات الطاعنة او الغادرة.
سبق الشعب الفصائل وسئموا مؤتمراتهم وتصريحاتهم واجتماعاتهم التي قالوا فيها إن الانقسام الأسود انتهي وأصبح شيئا من الماضي فعاد اليوم التالي بثوب أكثر سواً وبدا أكثر شناعة واوجع قلوب غالبية الشعب حتى أدركوا أن النسيان قد يكون الدواء, سبق الشعب الفصائل فصبر على الحروب وعاش على الركام وبني مقاومة ليس لها قائد فقيادتها الشعب, سبق الشعب الفصائل وامن بالمقاومة والمقاومين واقتسم الخبز معهم واعطاهم مفاتيح البيوت ووضع المال تحت تصرفهم وهو يعرف أن أبناء الساسة يبيتون في فنادق خمسة نجوم ويتركوا بيوتهم متعة للخدم.
منذ أن حدث الانقسام وحتى الآن يدرك الساسة ويعرفوا تماما أنهم تسببوا بألم بالغ واذي بليغ للشعب بانقسامهم ولم يقدموا لأنفسهم شيئا يوم تتقلب فيه القلوب ويوم يوضع الميزان أمام الشعب ليقرر من جديد من سيبقى ومن سيذهب. الأخطر أنهم لم يبادروا لبناء الثقة التي نزعتها المواقف وسياسة التجاهل لهذا الشعب وصم الأذان والعقاب والتمييز بين هذا وذلك فزاد أبناء هذا الشعب فقراً لدرجة انه أصبح من أفقر الشعوب بسبب هذا الانقسام الخطير. في المقابل يحصد الساسة ثمار لم يكن يحلموا بحصدها لولا امتطائهم ظهور الفقراء باسم الوطن ومسيرة التحرر.
بالأمس داست المجنزرات الإسرائيلية مخيم جنين وخربت كل حياة وحولتها إلى صحراء انتقاما من الشعب الذي يقاوم وتدجينه للفصائل التي مازالت تساوم على اعتقاد أنها يوما من الأيام قد تحرر وطن , وجه نداء للأمناء العامين للفصائل للالتقاء لعلهم يتوحدوا على كلمة سواء أو حتى يقولوا كلمة تشد عضد الشعب, اعلن الجميع عن موافقتهم لكنهم يسيروا نحو اللقاء بسرعة تسبقها السلحفاء وكأنهم ذاهبون الي يوم الحساب, الغريب أن الوطن لا يسعهم ولا يحبوا الالتقاء على ترابه, مصر الحبيبة أدركت أن تلك الفصائل لا تمتلك المبادرة دون وسيط وسارعت بتوجيه الدعوات لعل هذا الاجتماع يكون الأخير على قاعدة مصلحة الوطن والشعب التي غابت بفعل سلوك هذه الفصائل منذ سنوات ومازالت.
إنها ليست أكثر من تعزيز مصري للفصائل لتقوية الإرادة الوطنية والسعي الحقيقي من الجميع للحاق بالشعب الذي ترك قيادته المنقسمة واعتمد على ذاته في المسير, اللحاق بالشعب والسير معه خطوة بخطوة نحو الوطن موحدين في مواجهة التغول الصهيوني على الكل الفلسطيني لصد كافة المخططات الاستعمارية التهويديه الاستيطانية التي تسابق الزمن لحسم قضايا الصراع والقضاء تماما على أي امل للفلسطينيين في إقامة دولة على تراب العام 1967 أو بعض منه, محاولة لأن يتخلى الأمناء العامون للفصائل عن مصالحهم الحزبية الضيقة لصالح المصلحة الكبرى للوطن لتخليصه من بين أنياب الغول الصهيوني الذي بات يتخذ من الإجراءات والسياسات الممنهجة ما يعزز الانقسام والتشرذم والتفكك واللهث وراء برامج حزبية لن تحقق للحزب الغلبة ولن تحقق للوطن النصر.
محاولة لأن يشكلوا مع الشعب سد منيع لكل محاولات الاحتلال الصهيوني تفكيك حلقات الصراع وإخراج قضاياه واحدة بعد الأخرى عن دائرة الصراع ومركزية القضايا. لم يتبقى وقت لمزيد من اللقاءات والاجتماعات والبحث عن الذات، فالوقت بات من ذهب ولاتفاق على استراتيجية واحدة لمواجهة المحتل والاشتباك على الأرض الفلسطينية وأمام المنصات والهيئات والمجالس الدولية مع المحتل تبقت هي العربة الوحيدة التي يستطع من خلالها الأمناء العامين اللحاق بالشعب والبحث عن كافة الأدوات التي تحقق طموحه الثوري وحلمه الوطني في وطن حر مستقل محرر من الاحتلال والتبعية والوصاية العربية أو الدولية.