الجواب :
حيث إنّ نتائج ثورة ونهضة الحسين عليه السلام هي البواعث لها ، وقد ذكرها عليه السلام في عدّة من خطبه وكلماته الشريفة.
منها : وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلّى الله عليه وآله وسلّم أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ... (1) ؛ فقد استبدلت الخلافة الإسلاميّة على يد معاوية بملك الوراثة النَسبيّة الترابيّة ، وهذا انحراف خطير في الدين والأمّة الإسلاميّة أن يتبدّل مسار الزعامة الدينيّة والدنيويّة.
منها : ما قاله الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : حسين مني وأنا من حسين (2) ؛ فإنّ « من » ههنا ليس المراد منها التولّد بل أحد معاني الكناية فيها هو أنّ دين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وشريعته بقاؤها مرهون بالحسين عليه السلام ، وذلك لأنّ بني اُميّة ـ معاوية ويزيد وآلهما ـ كانوا مصرّين على محو الشريعة ، وإزالة الدين بالتدريج حتّى لا يبقى رسم ولا اسم منه ، وكلمات معاوية ويزيد في ذلك معروفة (3) ، وكيف لا والبيت الاُموي بزعامة أبو سفيان لم ينثني عن مجابهة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ودولته في المدينة ومن قبل في مكّة ، واستمرّ إيقاده للحروب ضدّ الرسول حتّى عام الفتح لمكّة !! (4) ومن الواضح أنّ هذا الموقع القبلي الذي يتمتّع به أبو سفيان وبنو اُمية لم يتبدد بفتح مكّة بل بقي على حاله ، وإن كانوا في الظاهر استسلموا أمام السلطة الإسلاميّة الجديدة للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ويتبيّن ذلك في قول أبي سفيان لعلي بن أبي طالب عليه السلام في أيّام السقيفة يريد إغراءه بمناصرته ضدّ أصحاب بيعة السقيفة : لئن شِئتم لأَمْلأنّها خَيْلاً ورجلاً (5). وكذلك استرضاء أبي بكر لأبي سفيان عندما اعترض على استخلافه ، وان تيم أخمل قريش ذكراً وبطنا ، استرضاه بتنصيب يزيد بن أبي سفيان على الشام. ومن ثمّ الخليفة الأوّل والثاني لم يجدا بُدّاً من الاستعانة ـ في جهاز الحكم وقيادة الجيوش وكسب الغنائم والمناصب ـ بالحزب القرشي المناوئ لبني هاشم وللأنصار ، وإلى ذلك يشير الحسين عليه السلام : وعلى الإسلام السَّلام إذا بليت الاُمة براعٍ مثل يزيد (6).
ومنها : سنّ السنّة الإلهيّة العظيمة وهي مجاهدة الظالمين والطغاة من الحكّام في الدولة الإسلاميّة والثورة عليهم ردعاً للمنكر ، وإقامة للمعروف في كافة أشكاله ونظمه وأبوابه ، وإلى ذلك يشير بقوله عليه السلام استناداً إلى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله (7) ، أو : أَفْضَلَ الجهادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطانٍ جَائِرٍ (
.
ومنها : استدعاء أهل العراق ومبايعتهم له عليه السلام ، لإقامة الحكم الإلهي العادل الحقّ.
ومنها : عزم يزيد اغتيال الحسين عليه السلام بكلّ طريقة وسبيل ، وقد أشار عليه السلام إلى ذلك في عدّة من خطبه (9).
والملخّص : إنّ هناك العديد من الأسباب ودواعي الحكمة في نهضته عليه السلام اجتمعت ، حتّى أنّ كثيراً من أصحاب الأقلام ينسبون تولّد التشيّع إلى نتائج ثورة الحسين عليه السلام وتعاطف محبّي أهل البيت عليه السلام لمظلوميّته ، وهذا القول وإن كان تنكر للحقائق القرآنيّة والسنن النبويّة الدالّة على إمامة أهل البيت عليهم السلام ومذهبهم ، إلّا أنّه يعكس مدى تعرية الإنحراف الذي أصاب المسلمين ، وتكشف كثير من الحقائق وتزييف الباطل الذي لم يتحقّق قبل ثورة الحسين عليه السلام.