قصة قصيرة
افتكاسه التسعينيات
بيع يا لطفي
جلس العمال في أحد عنابر المصنع وقت الغداء يتهامسون في حذر عن إشاعات انتشرت في الفترة الأخيرة عن بيع المصنع وتسريح العمال.
وقتها أحس ساميا بغضه في حلقه من انتشار تلك الإشاعات خاصة أن له ظروفا خاصة فهو تعدي الثالثة والخمسين من عمره ويعاني مثل كثير من أقرانه في هذا السن من الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط.
وأولاده ما زالوا في مراحل التعليم المختلفة
لقد هيأ حياته على مرتبه البسيط الذي يلقيه لزوجته أول كل شهر تدير به أمور بيتها.
تعالت الهمهمات وبدأت الأصوات تتعالين لمعرفة حقيقة الأمر
وما مصبر الآلاف العمال البسطاء بعد بيع المصنع؟
ذهب سام إلى رئيس اللجنة النقابية وطلب منه الشفافية والوضوح هل المصنع في خطه البيع؟
سؤال أرهق الكثير ولم يجد له أحدا أجابه وكأنه من أسرار الكون أو العلم اللاجوني.
بدا العمال فبي إيقاف العمل مطالبين لقاء المدير العام لبيان حقيقة الأمر.
جهز لهم مرعي رئيس النقابة اجتماعا مع لطفي بيه المدير العام
وفي الاجتماع تكلم سام عن الإشاعات المنتشرة بين العاملين وهل سيتم تسريح العمال وهل سيتم التعويض
وقتها أنكر لطفي بيه كل الإشاعات وطلب بعدم الالتفات إليها
والعمل والإنتاج وكثير من الشعارات من أيام الحقبة الناصرية...
رغم الخسائر المادية الفادحة التي يتعرض لها المصنع بداية من سوء الإدارة وتهالك المعدات وعدم التطوير وسوء التسويق
إلا أن الجميع يمني نفسه بأن تستمر عجله الإنتاج
حتى لا تتشرد الأسر وينعدم الدخل وينضم أعضاء جدد إلى طابور البطالة.
بدأت الإجراءات الإصلاحية للمصنع بالكثير من التقشف
للعمال فقط مثل إلغاء الوجبة والبدلات والمصاريف والرحلات والزي و...
بعدها بدأت المرحلة الثانية من الخطوات الإصلاحية وهي تقليل السهر وخفض البدلات وتقنين الحوافز
وشعر الجميع بصعوبة الوضع وانخفاض الدخل بطريقه كبيرة
أثرت بشكل أو بآخر على المستوى المعيشي للعمال.
وهنا بدأت مرحلة الإصلاح الثالثة وهي فتح باب المعاشات لمن يرغب ولكن المكافأة كانت بسبطه لا تتناسب مع الأسعار ومتطلبات المعيشة.
وقتها أحس العاملون الشباب بالخطر وقرر معظمهم ترك المصنع خاصة أنه تم الاستغناء عن جميع العمالة المؤقتة أو ما يسمى بالمقاومة التي يحسب لها أجر يومي فقط وليس مرتبا
بعض العمال الشباب عمل على توكتوك وآخرون سافروا إلى الخارج توفيرا للوقت والجهد
فقد أصبح بيع المصنع حقيقة لا تقبل الشك أو الجدال
قفز من المركب الكثيرون ولم يتبق غير كبار السن.
إلى أين سيذهب هؤلاء؟
فما هي فرصة العمل لشخص تجاوز الخمسين
ويعاني من الأمراض المزمنة
توقفت الماكينات ولكن توقفها كان صوتا وإشعارا لمرحلة جديدة، مرحلة وماذا بعد؟
يترقب سام كل يوم موعد الإعلان عن بيع المصنع
يذهب إلى العمل متثاقل فهو يعلم أن الراتب تقلص
وغادر الكثيرون العمل بحثا عن فرصه أخرى
ولم يتبق إلا هو ومن مثله في الظروف
ينتظرون رصاصة الرحمة التي تخرجهم من سوق العمل
وترجمهم من عناء الانتظار وجحيم الأفكار.
حاول سامي البحث عن عمل يناسب ظروفه
إلا أن الجميع لفظه لكبر سنه وحالته الصحبة التي بدأت عليه.
يجلس في البيت ينظر إلى أولاده ما مصيرهم وتدمع عيناه أن تكون نهاية خدمته بهذه الطريقة، فالمفترض أن تكون تلك السنوات الأخيرة هي أجمل سنوات عمره وأن يجني حصاد رحلة عمل استغرقت ثلاثون عاما
في وقت الغداء دخل عليه زميله محسن ليوقظه ويخبره أن المصنع بدا عمليات التسريح للعمال مقابل مكافأة وان سعيد وعبد الله وخميس تم إدراجهم كأوائل المستغني عنهم
لم يحرك سام ساكن.
هزه محسن هزات متكررة وهو ينادي عليه
سام... سام... ساء
لكن لا جدوى فقد ذهبت روحه إلى بارئها
تجمع العمال وتوجه الجميع إلى المدير العام لإبلاغه بوفاة سام
وقتها كانت التعليمات قد صدرت
بيع يا لطفي
سمعها الجميع
تمت
م محمود عبد الفضيل
مصر
@ الجميع